في غضون شهر واحد فحسب من الآن، ستتاح للعراقيين فرصة نادرة ثمينة، لإسدال الستار على عقود من حكم الطغيان، واتخاذ أولى الخطوات نحو تشكيل مستقبلهم، عن طريق المشاركة في أول انتخابات حرة ونزيهة تعقد هنا بعد عدة عقود. ففي الثلاثين من يناير المقبل، سيدلي العراقيون بأصواتهم لانتخاب الجمعية الوطنية العراقية، التي ستضطلع بوضع مسودة الدستور الدائم للبلاد، والإعداد لإجراء انتخابات شاملة لاختيار الحكومة العراقية بعد عام من انتخاب الجمعية الوطنية. وبحكم وجودنا الحالي في الحكومة المؤقتة، فقد انشغلنا خلال الأشهر الماضية بتمهيد الطريق والإعداد لإجراء هذه الانتخابات. في سبيل ذلك خضنا إلى جانب قوات حلفائنا من مختلف الجنسيات، حربا لا هوادة فيها ضد المجرمين والإرهابيين والموالين لنظام صدام حسين، العازمين على ثني العراق عن المضي قدما نحو الديمقراطية. وفي الوقت ذاته، فقد انشغلنا بعملية إعادة البناء، ومد الجسور إلى كافة ألوان الطيف العراقي، بهدف تأمين عملية انتخابية نيابية شاملة للجميع. وفي هذا الخصوص، فقد التقيت قريبا بعدد من كبار زعماء وشيوخ القبائل العراقية في الأردن، وشجعتهم على المشاركة في الانتخابات المقبلة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، فقد حققنا طفرة كبيرة وبالغة الأهمية، بدءا بتأمين خفض الديون الأجنبية المستحقة على العراق بنسبة 80 في المئة، سواء في الدول الأعضاء في نادي باريس، أم غيرها من كبريات الدول الدائنة الأخرى. كما نقدر كل التقدير، شطب الولايات المتحدة الأميركية ما تبقى لها من ديون علينا تماما.
ويحدونا أمل كبير في أن نبني على ما أنجز حتى الآن في هذا الجانب، ونتمكن من الوصول مع الدول الدائنة الأخرى إلى تسويات أو تخفيضات شبيهة لما تبقى لها علينا من مديونية. يشمل هذا الأمل، التوصل لاتفاقيات وتسويات شبيهة مع الدول الدائنة من جيراننا وأخوتنا العرب. وسوف تكون لترتيبات كهذه أهمية كبيرة، إن كان للعراق أن يأمل في إعادة بناء اقتصاده، بكل ما لإعادة البناء الاقتصادي هذه، من أهمية لا غنى عنها بالنسبة لاستقراره واستتباب الأمن فيه، بل ولأمن واستقرار المنطقة برمتها.
عودة إلى موضوع الانتخابات العراقية التي سوف تجرى في الشهر المقبل، وعلى الرغم من تشاؤم المتشائمين والمتشككين، فإننا نلحظ بوادر إيجابية ومشجعة، فيما نرى من حماس الناخبين وإقبالهم على تسجيل أسمائهم، استعدادا وتأكيدا لرغبتهم في الاقتراع والتصويت. ليس الناخبين وحدهم، بل في المقابل، استطالت قوائم المرشحين لهذه الانتخابات على طول البلاد وعرضها، حتى بلغت قوائمهم الآلاف. وهذا هو الذي يخيف أولئك الإرهابيين الجبناء، الذين يستهدفون مراكز تسجيل الناخبين، هلعا منهم من أن يبلغ العراقيون غايتهم ومطمحهم، ويحققون تطلعهم نحو الحرية والديمقراطية. أذكر هنا أنني كنت قد تقدمت مؤخرا بالقائمة "العراقية" التي تشمل القائمة الموحدة، لمرشحي الوحدة الوطنية. تتألف هذه القائمة من عدد كبير من الشخصيات ذات الوزن والاحترام، التي تمثل تمثيلا واسعا، مختلف ألوان الطيف الجغرافي والسياسي والعرقي والديني في البلاد. ونحن نرى في هذا المزيج العراقي، مصدرا للقوة والإبداع السياسي، وليس منبتا للتعصب والانقسام والتمييز بين العراقيين. ومبلغ غايتنا، أن يكون هناك عراق موحد، آمن، مستقر ومزدهر.
وها نحن نسعى إلى كافة العراقيين بروح الوحدة الوطنية والمصالحة. وسوف نواصل التمييز دائما بين مجرمي نظام حزب البعث السابق، وأولئك المواطنين الأبرياء، الذين أرغموا على أن يكونوا طرفا فيه، كسبا للقمة العيش، لا أكثر. وسوف يلقون منا كل الاحترام وحق العيش الكريم كمواطنين منتجين، كل الذين يلتزمون باحترام سيادة القانون. أما الذين يجنحون إلى الجريمة والإرهاب، ففألهم منا السحق والهزيمة الماحقة. وسوف نحارب التحيز والتعصب بمختلف صورهما وأشكالهما، ونسعى لتمثيل كافة شرائح المجتمع الدينية والعرقية. كما سنضع نصب أعيننا، بناء مؤسسات حكومية نزيهة وفاعلة، مع السعي المستمر إلى استئصال جرثومة الفساد من كافة مناحي الحياة العراقية. كما سنعمل من أجل حفظ حقوق أولئك المواطنين الذين تضرروا وعانوا تحت وطأة النظام السابق، إلى جانب سعينا لحفز تقدم الصحافة الحرة وتعزيز مؤسسات المجتمع المدني.
ومن بين أولوياتنا وأهدافنا، المضي قدما في إعادة بناء جيش عراقي مهني، لا سياسي، على أن يكون مؤسسة تسودها معايير الكفاءة المهنية وليست المحسوبية. وفي الوقت ذاته، فإننا نستشعر مسؤوليتنا إزاء بناء قوات الشرطة وغيرها من الخدمات الأمنية الضرورية. ضمن أهدافنا، العمل من أجل الانسحاب المنظم لقوات التحالف الدولي من بلادنا، وفق جدول زمني محدد، قوامه بناء ما يكفي من قوات أمنية عراقية مؤهلة لأداء دورها وواجباتها. أخيرا وتمشيا مع تسليط اهتمامنا على الجانب الأمني، فإننا نخطط لإعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية العراقية، تلبية للحاجة الماسة إلى الوظائف والعمل، وتوفير الخدمات العامة، الضرورية